ليس عند العلماء قاعدة في إخفاء العلم للمصلحة |
الشيخ محمد بن عمر بازمول |
هل أخفى حذيفة بن اليمان رضي الله عنه أحاديث من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم في الفتن ، ولم يخبر بها البتة حتى موته؟ ومنها أخذ العلماء قاعدة : أنه يجوز إخفاء العلم للمصلحة. هل ما ذكر عن حذيفة رضي الله عنه صحيح سلمكم الله؟ | :السؤال |
ليس في الشرع كتم العلم، والعلماء لا يكتمون العلم، والرسول صلى الله عليه وسلم أمر بتبليغ الدين فقال: "بلغوا عني ولو آية وحدثوا عن بني إسرائيل و لا حرج". قال: "من سئل عن علم فكتمه ألجمه الله بلجام من نار". و لا قاعدة عند العلماء أعلمها في ذلك. و لا أعلم حديثا عن حذيفة رضي الله عنه بذلك . نعم هم يخصون بالعلم قوما دون قوم، فمثلاً الكلام في أصول الفقه وقواعده لا يصلح أن تكلم به العوام وتجعله درساً لهم. والكلام في أصول التفسير لا يصلح أن تجعله درساً لكل أحد. وبوب البخاري بَابُ مَنْ خَصَّ بِالعِلْمِ قَوْمًا دُونَ قَوْمٍ، كَرَاهِيَةَ أَنْ لاَ يَفْهَمُوا، أورد فيه بسنده عن عَلِيٌّ: «حَدِّثُوا النَّاسَ، بِمَا يَعْرِفُونَ أَتُحِبُّونَ أَنْ يُكَذَّبَ، اللَّهُ وَرَسُولُهُ» وبسنده عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمُعاذٌ رَدِيفُهُ عَلَى الرَّحْلِ، قَالَ: «يَا مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ»، قَالَ: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَسَعْدَيْكَ، قَالَ: «يَا مُعَاذُ»، قَالَ: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَسَعْدَيْكَ ثَلاَثًا، قَالَ: «مَا مِنْ أَحَدٍ يَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، صِدْقًا مِنْ قَلْبِهِ، إِلَّا حَرَّمَهُ اللَّهُ عَلَى النَّارِ»، قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ: أَفَلاَ أُخْبِرُ بِهِ النَّاسَ فَيَسْتَبْشِرُوا؟ قَالَ: «إِذًا يَتَّكِلُوا» وَأَخْبَرَ بِهَا مُعَاذٌ عِنْدَ مَوْتِهِ تَأَثُّمًا وبسنده عن أَنَس بْن مَالِكٍ، قَالَ: ذُكِرَ لِي أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ: «مَنْ لَقِيَ اللَّهَ لاَ يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا دَخَلَ الجَنَّةَ»، قَالَ: أَلاَ أُبَشِّرُ النَّاسَ؟ قَالَ: «لاَ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَتَّكِلُوا»اهـ ولاحظ قوله: "وَأَخْبَرَ بِهَا مُعَاذٌ عِنْدَ مَوْتِهِ تَأَثُّمًا" فهذا يؤكد أن العلماء لا يكتمون العلم. إنما لا يحدث أي أحد بأي شيء، «حَدِّثُوا النَّاسَ، بِمَا يَعْرِفُونَ أَتُحِبُّونَ أَنْ يُكَذَّبَ، اللَّهُ وَرَسُولُهُ» و "ما أنت محدث قوما حديثا لا تبلغه عقولهم إلا كان فتنة لبعضهم"، فالذي جرى عليه أهل العلم نشر العلم وعدم كتمه، ولم يخص أحد بشيء، وما ورد أن حذيفة صاحب سر الرسول صلى الله عليه وسلم فهو في أمر يتعلق بأسماء المنافقين في المدينة. وليس ذلك من الدين حتى يظهر، وإلا لأظهره الرسول صلى الله عليه وسلم. فمن آدب العالم وطالب العلم أن لا يحدث الناس بأمور لا تبلغها عقولهم ويكون عالماً ربانياً . وإلا فإن لم يجد بداً من تنفيذ العلم وإبلاغه أبلغه و لا يكتمه. بوب البخاري باب العلم قبل القول والعمل علق فيه وَقَالَ أَبُو ذَرٍّ: «لَوْ وَضَعْتُمُ الصَّمْصَامَةَ عَلَى هَذِهِ - وَأَشَارَ إِلَى قَفَاهُ - ثُمَّ ظَنَنْتُ أَنِّي أُنْفِذُ كَلِمَةً سَمِعْتُهَا مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ أَنْ تُجِيزُوا عَلَيَّ لَأَنْفَذْتُهَا» وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {كُونُوا رَبَّانِيِّينَ} [آل عمران: 79] " حُلَمَاءَ فُقَهَاءَ، وَيُقَالُ: الرَّبَّانِيُّ الَّذِي يُرَبِّي النَّاسَ بِصِغَارِ العِلْمِ قَبْلَ كِبَارِهِ " فهذا مسلك العلم خلفاً عن سلف والحمد لله. فوصفهم بكتم العلم وصف خطير لا يصح و لا يليق فاحذر منه بارك الله فيك. | :الجواب |